فصل: الرّفث في الإحرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


رفث

التّعريف

1 - الرّفث بفتح الرّاء والفاء - في اللّغة‏:‏ الجماع وغيره ممّا يكون بين الرّجل والمرأة من تقبيلٍ ونحوه ممّا يكون في حالة الجماع، ويطلق على الفحش‏.‏

وقال قوم‏:‏ الرّفث هو قول الخنا، والفحش، واحتجّ هؤلاء بخبر‏:‏ » إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث، ولا يصخب «‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ الرّفث‏:‏ اللّغو من الكلام‏.‏ يقال‏:‏ رفث في كلامه يرفث، وأرفث إذا تكلّم بالقبيح، ثمّ جعل كنايةً عن الجماع وعن كلّ ما يتعلّق به، فالرّفث باللّسان‏:‏ ذكر المجامعة وما يتعلّق بها، والرّفث باليد‏:‏ اللّمس، وبالعين‏:‏ الغمز، والرّفث بالفرج‏:‏ الجماع‏.‏

وفي اصطلاح الفقهاء‏:‏ لا يخرج الرّفث عن المعنى اللّغويّ كما ذكره أبو عبيدة‏.‏

الحكم التّكليفيّ

2 - الرّفث بمعنى مباشرة النّساء بالجماع أو غيره في العبادات منهيّ عنه على التّفصيل التّالي‏:‏

الرّفث في الصّوم

3 - لا خلاف بين أهل العلم في أنّ من جامع في نهار رمضان عمداً ذاكراً لصومه أنّه يأثم، ويفسد صومه، وعليه القضاء والكفّارة، سواء أنزل أم لم ينزل، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ‏}‏ والرّفث هنا الجماع‏.‏

وكالجماع في الإثم وإفساد الصّوم والقضاء الإنزال بمباشرةٍ أو بقبلةٍ أو بلمسٍ ولو بدون جماعٍ، فإن قبّل أو لمس أو ضمّها إليه فلم ينزل لم يفسد صومه، وهو محلّ اتّفاقٍ بين الفقهاء‏.‏

أمّا الجماع ناسياً فقد اختلف الفقهاء فيه‏.‏

فذهب الحنفيّة، والشّافعيّة إلى أنّه لا يفسد الصّوم، لقوله صلى الله عليه وسلم في الّذي يأكل ويشرب ناسياً‏:‏ » فليتمّ صومه فإنّما أطعمه اللّه وسقاه «‏.‏

وإذا ثبت هذا في الأكل والشّرب ثبت في الجماع للاستواء في الرّكنيّة‏.‏

وقال المالكيّة والحنابلة في ظاهر النّصّ عندهم‏:‏ إنّ النّاسي كالمتعمّد فيفسد صومه إذا جامع ناسياً، وقالوا‏:‏ إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » أمر الّذي جامع في نهار رمضان بالكفّارة ولم يسأله عن كونه عمداً «‏.‏ ولو افترق الحال لسأل واستفصل ‏;‏ ولأنّه يجب التّعليل بما تناوله لفظ السّائل وهو الوقوع على المرأة في الصّوم، ولأنّ الصّوم عبادة يحرم الوطء فيه، فاستوى فيها عمده وسهوه كالحجّ‏.‏

والتّفصيل في باب ‏(‏الصّوم‏)‏‏.‏

الرّفث في الاعتكاف

4 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الرّفث في الاعتكاف محرّم، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ‏}‏ فإن جامع متعمّداً فسد اعتكافه بإجماع أهل العلم، لأنّ الجماع إذا حرّم في العبادة أفسدها كالحجّ والصّوم‏.‏

واختلفوا في الجماع ناسياً، فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة، إلى أنّه إن جامع المعتكف ليلاً أو نهاراً عامداً أو ناسياً بطل اعتكافه، لأنّ ما حرّم في الاعتكاف استوى عمده وسهوه في إفساده كالخروج من المسجد‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إن جامع ناسياً فلا يبطل اعتكافه‏.‏

أمّا التّقبيل واللّمس بشهوةٍ فهو حرام، ويفسد اعتكافه إن أنزل لعموم آية‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ‏}‏ أمّا إن كان ذلك بغير شهوةٍ مثل أن تغسل رأسه أو تناوله شيئاً فلا بأس به‏.‏ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » كان يدني رأسه لعائشة رضي الله عنها وهو معتكف فترجّله «‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏اعتكاف‏)‏‏.‏

الرّفث في الإحرام

5 - الرّفث في الإحرام محرّم، وهذا محلّ اتّفاقٍ بين الفقهاء، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ‏}‏ فإن جامع في الفرج وهو محرم فسد نسكه، لأنّ النّهي يقتضي الفساد، ووجب عليه القضاء والكفّارة إن كان عامداً، روي عن ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ أنّ رجلاً سأله فقال‏:‏ إنّي واقعت امرأتي ونحن محرمان، فقال‏:‏ أفسدت حجّك انطلق أنت وأهلك مع النّاس فاقضوا ما يقضون وحلّ إذا حلّوا، فإذا كان في العام المقبل فاحجج أنت وأهلك مع النّاس وأهديا هدياً، فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيّامٍ في الحجّ، وسبعةً إذا رجعتم‏.‏

أمّا إن جامع المحرم ناسياً فقال الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‏:‏ هو كمن جامع عامداً، قالوا‏:‏ لأنّ الفساد باعتبار معنى الارتفاق في الإحرام ارتفاقاً مخصوصاً، وهذا لا ينعدم بهذه العوارض، والحجّ ليس بمعنى الصّوم، لأنّ حالات الإحرام مذكّرة له كالصّلاة، ولأنّه شيء لا يقدر على ردّه كالشّعر إذا حلقه، والصّيد إذا قتله، فهذه الثّلاثة يستوي فيها العمد، والنّسيان‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لا يفسد حجّه، لأنّه عبادة تتعلّق الكفّارة بإفسادها، فتختلف بالمذكورات في الحكم كالصّوم‏.‏

أمّا المباشرة فيما دون الفرج، فإن أنزل فعليه دم وإن لم ينزل فلا شيء عليه، ولا خلاف بين الفقهاء في حرمته‏.‏

أمّا فساد الحجّ ووجوب الكفّارة ونوعها، وبقيّة أحكام الرّفث في الإحرام، فيرجع في تفصيل ذلك إلى مصطلح ‏(‏إحرام‏)‏‏.‏

رفض

التّعريف

1 - الرّفض في اللّغة‏:‏ التّرك‏:‏ يقال‏:‏ رفضت الشّيء أرفضه بالضّمّ، وأرفضه بالكسر رفضاً‏:‏ إذا تركته‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ جعل ما وجد من العبادة والنّيّة كالمعدوم‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الفسخ‏:‏

2 - الفسخ نقض الشّيء وإزالته‏.‏ تقول‏:‏ فسخت البيع والنّكاح إذا نقضتهما‏.‏

وفي هذا حديث‏:‏ كان فسخ الحجّ رخصةً لأصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم

وفسخ الحجّ‏:‏ أن ينوي الحجّ أوّلاً ثمّ يبطله ويجعله عمرةً‏.‏ ويحلّ ثمّ يعود فيحرم بحجّةٍ‏.‏ وفي ذلك خلاف وتفصيل ينظر في بحثي‏:‏ ‏(‏إحرام‏:‏1/179، وحجّ‏:‏5 /287‏)‏‏.‏

ب - الإفساد‏:‏

3 - الإفساد من فسد الشّيء، وأفسده هو‏:‏ وهو ضدّ الصّلاح‏.‏

ج - الإبطال‏:‏

4 - الإبطال هو إفساد الشّيء وإزالته حقّاً كان ذلك الشّيء أو باطلاً، واصطلاحاً‏:‏ الحكم على الشّيء بالبطلان سواء وجد صحيحاً ثمّ طرأ عليه سبب البطلان، وهو مرادف للرّفض عند المالكيّة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالرّفض

أ - رفض نيّة الوضوء‏:‏

5 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ النّيّة ركن في الوضوء، فإذا رفض النّيّة بعد كمال الوضوء فلا يؤثّر هذا الرّفض‏.‏

ونصّ المالكيّة على أنّه إذا رفض النّيّة في أثناء الوضوء، فإن رجع وكمّله بنيّة رفع الحدث قريباً على الفور فلا يؤثّر أيضاً‏.‏ أمّا إذا رفضه في أثنائه، ثمّ لم يكمله على الفور، بنيّة رفع الحدث أو كمّله على الفور بنيّة التّبرّد أو التّنظيف، فإنّه يبطل ويعيد ما تمّ بهذه النّيّة‏.‏

والتّفصيل في ‏(‏وضوء‏)‏‏.‏

ب - رفض نيّة الصّلاة‏:‏

6 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ رفض نيّة الصّلاة في أثنائها مبطل لها، كأن قطع النّيّة في أثناء الصّلاة، أو عزم على قطعها، أو تردّد هل يقطع أم يستمرّ فيها ‏؟‏ وطال التّردّد، أو يأتي بما يتنافى مع نيّة الصّلاة، لأنّه قطع حكم النّيّة قبل إتمام صلاته ففسدت كما لو سلّم فيها ينوي قطع الصّلاة، ولأنّ النّيّة شرط في جميع الصّلاة، وقد قطعها بما حدث، ففسدت‏.‏

والتّفصيل في ‏(‏نيّة، وصلاة‏)‏‏.‏

ج - رفض نيّة الصّوم‏:‏

7 - ذهب المالكيّة والحنابلة في المذهب والشّافعيّة في قولٍ‏:‏ إلى أنّ رفض نيّة الصّوم يبطل الصّوم ولو لم يفعل ما يفسد الصّيام‏.‏

وذهب الحنفيّة وهو الأصحّ عند الشّافعيّة وقول عند الحنابلة‏:‏ إلى أنّ رفض نيّة الصّوم لا يبطل الصّوم إلاّ بمباشرة ما يفطر‏.‏

وللتّفصيل انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏صوم‏)‏‏.‏

د - رفض الإحرام‏:‏

8 - رفض الإحرام لا يبطله باتّفاق الفقهاء‏.‏

‏(‏ر‏:‏ إحرام ف 128‏)‏‏.‏

جاء في التّاج والإكليل‏:‏ إنّ رافض إحرامه ليس رفضه بمضادٍّ لما هو فيه، لأنّه إنّما رفض مواضع يأتيها فإذا رفض إحرامه ثمّ عاد إلى المواضع الّتي يخاطب بها ففعلها لم يحصل لرفضه حكم‏.‏

وقال في كشّاف القناع‏:‏ وإن قال في إحرامه متى شئت أحللته، أو إن أفسدته لم أقضه، لم يصحّ‏.‏

والتّفصيل في ‏(‏إحرام‏)‏‏.‏

هـ – رفض الحجّ أو العمرة‏:‏

9 – إذا أحرم المكّيّ بالعمرة، ثمّ أردفها بإحرام الحجّ فلا يخلو من ثلاث صورٍ‏:‏

الأولى‏:‏ الإحرام بالحجّ قبل البدء بطواف العمرة‏:‏

يجوز إدخال الحجّ على العمرة في هذه الصّورة عند جمهور الفقهاء بأداء أعمال كلا النّسكين، ويكون قارناً عندهم، سواء أكان مكّيّاً أم آفاقيّاً، بناءً على أصلهم من جواز القران للمكّيّ‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ صحّ ذلك للآفاقيّ، ويصير قارناً، ولا يصحّ للمكّيّ، فإذا أضاف المكّيّ إحرام الحجّ على إحرام العمرة ولم يبدأ بطواف العمرة، عليه أن يرفض العمرة ويمضي على حجّته، وعليه دم الرّفض وقضاء العمرة، لأنّ الجمع بينهما معصية بالنّسبة للمكّيّ، والنّزوع عن المعصية لازم‏.‏ وإنّما يرفض العمرة دون الحجّ، لأنّها أقلّ عملاً وأخفّ مؤنةً من الحجّة، فكان رفضها أيسر‏.‏

ووجه وجوب الدّم والعمرة قضاءً، هو أنّه تحلّل من العمرة قبل وقت التّحلّل فيلزمه الدّم كالمحصر، ووجبت عليه العمرة قضاءً بسبب شروعه فيها بالإحرام، وهذا باتّفاق فقهاء الحنفيّة‏.‏

الصّورة الثّانية‏:‏ الإحرام بالحجّ بعد تمام طواف العمرة‏:‏

صرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّه لا يصحّ إدخال الإحرام بالحجّ بعد الطّواف للعمرة لاتّصال إحرامه بمقصوده وهو أعظم أفعالها فلا ينصرف بعد ذلك إلى غيرها، كما علّله الشّافعيّة‏.‏ ولأنّه شارع في التّحلّل من العمرة فلم يجز إدخال الحجّ عليها، كما لو سعى بين الصّفا والمروة، كما علّله الحنابلة‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ يستمرّ في أعمال العمرة ويرفض الحجّ، لأنّ العمرة مؤدّاة، والحجّ غير مؤدًّى فكان رفض الحجّ امتناعاً عن الأداء ورفض العمرة إبطالاً للعمل، والامتناع عن العمل دون الإبطال، وقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ‏}‏ فكان رفض الحجّ أولى‏.‏ وصرّح الحنفيّة بأنّ من أتمّ أكثر أشواط الطّواف، كأن طاف للعمرة أربعة أشواطٍ فأكثر فهو في حكم من أتمّ جميعها، لأنّ للأكثر حكم الكلّ‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يصحّ إضافة الإحرام بالحجّ بعد الطّواف للعمرة، ويصير قارناً لكنّه يكره، مع تفصيلٍ عندهم‏.‏

الثّالثة‏:‏ الإحرام بالحجّ بعد أن طاف أقلّ أشواط العمرة‏:‏

قال المالكيّة في المعتمد عندهم، والحنابلة‏:‏ يصحّ إدخال الحجّ على العمرة قبل تمام الطّواف ويمضي في أعمالهما ويصير قارناً‏.‏

وقال الشّافعيّة وهو قول بعض المالكيّة‏:‏ لو شرع في الطّواف ولو بخطوةٍ، ثمّ أحرم فإنّه لا يصحّ، لاتّصال إحرامه بمقصوده، وهوالطّواف، فلا ينصرف بعد ذلك إلى غير العمرة‏.‏ وقال الحنفيّة‏:‏ إذا أحرم المكّيّ بعمرةٍ، وطاف أقلّ من أربعة أشواطٍ، ثمّ أحرم بالحجّ فعليه أن يرفض أحد النّسكين‏:‏ ‏"‏ الحجّ أو العمرة ‏"‏، لأنّ الجمع بينهما معصية، والنّزوع عن المعصية لازم‏.‏ ثمّ اختلفوا‏:‏

فقال أبو حنيفة‏:‏ يرفض الحجّ، لأنّ إحرام العمرة قد تأكّد بأداء الشّيء من أعمالها وهو الطّواف، وإحرام الحجّ لم يتأكّد بأيّ عملٍ، ورفع غير المتأكّد أيسر، ولأنّ رفض الحجّ امتناع عن العمل، ورفض العمرة إبطال للعمل، والامتناع دون الإبطال‏.‏

وقال أبو يوسف ومحمّد‏:‏ يرفض العمرة، ويمضي في الحجّ، لأنّ العمرة أدنى حالاً وأقلّ أعمالاً وأيسر قضاءً، لكونها غير مؤقّتةٍ بالوقت، فكان رفض العمرة أولى‏.‏

أثر الرّفض وجزاؤه

10 - إذا رفض الحجّ على قول أبي حنيفة فعليه لرفضه دم، لأنّه تحلّل منه قبل وقت التّحلّل فيلزمه الدّم كالمحصر، وعليه كذلك حجّة وعمرة، لأنّ الحجّة وجبت بالشّروع، وأمّا العمرة فلعدم إتيانه بأفعال الحجّة في السّنة الّتي أحرم فيها فصار كفائت الحجّ‏.‏

وإذا رفض العمرة على قولهما فعليه دم، وقضاء العمرة، لأنّه أدّى الحجّ، والعمرة وجبت عليه بالشّروع‏.‏

هذا، وإن مضى فيهما، ولم يرفض الحجّ ولا العمرة صحّ، لأنّه أدّى أفعالهما كما التزمهما غير أنّه منهيّ عنهما، والنّهي لا يمنع تحقّق الفعل كما هو مقرّر عند الحنفيّة، لكن يلزمه دم لجمعه بينهما، لأنّه تمكّن النّقصان في عمله، لارتكابه المنهيّ عنه، وهذا دم إجبارٍ في حقّ المكّيّ، ودم شكرٍ في حقّ الآفاقيّ‏.‏

وتفصيل هذه الأحكام في ‏(‏إحرام، وقران ف 22 - 27‏)‏

رفع الحرج

التّعريف

1 - رفع الحرج‏:‏ مركّب إضافيّ، تتوقّف معرفته على معرفةٍ لفظيّةٍ، فالرّفع لغةً‏:‏ نقيض الخفض في كلّ شيءٍ، والتّبليغ، والحمل، وتقريبك الشّيء، والأصل في مادّة الرّفع العلوّ، يقال‏:‏ ارتفع الشّيء ارتفاعاً إذا علا، ويأتي بمعنى الإزالة‏.‏ يقال‏:‏ رفع الشّيء‏:‏ إذا أزيل عن موضعه‏.‏

قال في المصباح المنير‏:‏ الرّفع في الأجسام حقيقة في الحركة والانتقال، وفي المعاني محمول على ما يقتضيه المقام، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » رفع القلم عن ثلاثةٍ « والقلم لم يوضع على الصّغير، وإنّما معناه لا تكليف، فلا مؤاخذة‏.‏

والحرج في اللّغة‏:‏ المكان الضّيّق الكثير الشّجر، والضّيق والإثم، والحرام، والأصل فيه الضّيق‏.‏

قال ابن الأثير‏:‏ الحرج في الأصل‏:‏ الضّيق، ويقع على الإثم والحرام‏.‏ تقول رجل حَرَج وحَرِج إذا كان ضيّق الصّدر‏.‏

وقال الزّجّاج‏:‏ الحرج في اللّغة أضيق الضّيّق، ومعناه أنّه ضيّق جدّاً‏.‏

فرفع الحرج في اللّغة‏:‏ إزالة الضّيق، ونفيه عن موضعه‏.‏

ثمّ إنّ معنى الرّفع في الاصطلاح لا يخرج عن معناه اللّغويّ‏.‏

والحرج في الاصطلاح ما فيه مشقّة وضيق فوق المعتاد، فهو أخصّ من معناه اللّغويّ‏.‏ ورفع الحرج‏:‏ إزالة ما في التّكليف الشّاقّ من المشقّة برفع التّكليف من أصله أو بتخفيفه أو بالتّخيير فيه، أو بأن يجعل له مخرج، كما سبق في الموسوعة في مصطلح ‏(‏تيسير‏)‏‏.‏ فالحرج والمشقّة مترادفان، ورفع الحرج لا يكون إلاّ بعد الشّدّة خلافاً للتّيسير‏.‏

والفقهاء والأصوليّون قد يطلقون عليه أيضاً‏:‏ ‏"‏ دفع الحرج ‏"‏ و ‏"‏ نفي الحرج ‏"‏‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّيسير‏:‏

2 - التّيسير‏:‏ السّهولة والسّعة، وهو مصدر يسّر، واليسر ضدّ العسر، وفي الحديث‏:‏ » إنّ الدّين يسر « أي أنّه سهل سمح قليل التّشديد، والتّيسير يكون في الخير والشّرّ، وفي التّنزيل العزيز قوله‏:‏ ‏{‏فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى‏}‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى‏}‏‏.‏

ولا يخرج معناه الاصطلاحيّ عن معناه اللّغويّ‏.‏

والنّسبة بين التّيسير ورفع الحرج أنّ رفع الحرج لا يكون إلاّ بعد شدّةٍ‏.‏

ب - الرّخصة‏:‏

3 - الرّخصة‏:‏ التّسهيل في الأمر والتّيسير، يقال‏:‏ رخّص الشّرع لنا في كذا ترخيصاً وأرخص إرخاصاً إذا يسّره وسهّله‏.‏

ورخّص له في الأمر‏:‏ أذن له فيه بعد النّهي عنه، وترخيص اللّه للعبد في أشياء‏:‏ تخفيفها عنه، والرّخصة في الأمر وهو خلاف التّشديد‏.‏

فالرّخصة فسحة في مقابلة التّضييق والحرج‏.‏

ج - الضّرر‏:‏

4 - الضّرر في اللّغة ضدّ النّفع، وهو النّقصان يدخل في الشّيء، فالضّرر قد يكون أثراً من آثار عدم رفع الحرج‏.‏

رفع الحرج من مقاصد الشّريعة

5 - رفع الحرج مقصد من مقاصد الشّريعة وأصل من أصولها، فإنّ الشّارع لم يقصد إلى التّكليف بالشّاقّ والإعنات فيه، وقد دلّ على ذلك الكتاب والسّنّة وانعقد الإجماع على ذلك‏.‏ فمن الكتاب قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏‏{‏يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً‏}‏‏.‏

ومن السّنّة قول النّبيّ‏:‏ » بعثت بالحنيفيّة السّمحة «‏.‏

وحديث عائشة‏:‏ » ما خُيّر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلاّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً «‏.‏

وانعقد الإجماع على عدم وقوع الحرج في التّكليف، وهو يدلّ على عدم قصد الشّارع إليه، ولو كان واقعاً لحصل في الشّريعة التّناقض والاختلاف، وذلك منفيّ عنها، فإنّه إذا كان وضع الشّريعة على قصد الإعنات والمشقّة، وقد ثبت أنّها موضوعة على قصد الرّفق والتّيسير، كان الجمع بينهما تناقضاً واختلافاً، وهي منزّهة عن ذلك‏.‏

ثمّ ما ثبت أيضاً من مشروعيّة الرّخص، وهو أمر متطوّع به، وممّا علم من دين الأمّة بالضّرورة، كرخص القصر، والفطر، والجمع، وتناول المحرّمات في الاضطرار‏.‏ فإنّ هذا نمط يدلّ قطعاً على مطلق رفع الحرج والمشقّة‏.‏

وكذلك ما جاء من النّهي عن التّعمّق والتّكلّف في الانقطاع عن دوام الأعمال‏.‏

ولو كان الشّارع قاصداً للمشقّة في التّكليف لما كان ثمّ ترخيص ولا تخفيف، ولأجل ذلك لم يجب شيء من الأحكام على الصّبيّ العاقل لقصور البدن، أو لقصوره وقصور العقل، ولا على المعتوه البالغ لقصور العقل‏.‏

ولم يجب قضاء الصّلاة في الحيض والنّفاس، وانتفى الإثم في خطأ المجتهد، وكذا في النّسيان والإكراه‏.‏

قال الشّاطبيّ‏:‏ إنّ الأدلّة على رفع الحرج في هذه الأمّة بلغت مبلغ القطع‏.‏

أقسام الحرج

ينقسم الحرج من حيث الجملة إلى قسمين‏:‏

6 - الأوّل‏:‏ حقيقيٌّ، وهو ما كان له سبب معيّن واقع، أو ما تحقّق بوجوده مشقّة خارجة عن المعتاد كحرج السّفر والمرض‏.‏

الثّاني‏:‏ توهّميٌّ، وهو ما لم يوجد السّبب المرخّص لأجله، ولم تكن مشقّة خارجة عن المعتاد على وجهٍ محقّقٍ‏.‏

والقسم الأوّل هو المعتبر بالرّفع والتّخفيف، لأنّ الأحكام لا تبنى على الأوهام، والحرج الحقيقيّ ينقسم من حيث وقت تحقّقه إلى قسمين‏:‏

الأوّل‏:‏ الحرج الحاليّ‏:‏ وهو ما كانت مشقّته متحقّقةً في الحال، كالشّروع في عبادةٍ شاقّةٍ في نفسها، وكالحرج الحاصل للمريض باستعمال الماء، أو الحاصل لغير المستطيع على الحجّ أو رمي الجمار بنفسه إن منعناه من الاستنابة‏.‏

الثّاني‏:‏ الحرج الماليّ‏:‏ وهو ما يلحق المكلّف بسبب الدّوام على فعلٍ لا حرج منه‏.‏ كما كان من شأن عبد اللّه بن عمر وقال‏:‏ » كنت أصوم الدّهر، وأقرأ القرآن كلّ ليلةٍ فإمّا ذكرت للنّبيّ صلى الله عليه وسلم وإمّا أرسل إليّ فأتيته، فقال لي‏:‏ ألم أخبر أنّك تصوم الدّهر، وتقرأ القرآن كلّ ليلةٍ ‏؟‏ فقلت‏:‏ بلى يا رسول اللّه، ولم أرد بذلك إلاّ الخير، قال‏:‏ فإنّ بحسبك أن تصوم من كلّ شهرٍ ثلاثة أيّامٍ فقلت‏:‏ يا نبيّ اللّه إنّي أطيق أفضل من ذلك‏.‏ قال‏:‏ فإنّ لزوجك عليك حقّاً، ولزورك عليك حقّاً، ولجسدك عليك حقّاً‏.‏ قال‏:‏ فصم صوم داود نبيّ اللّه صلى الله عليه وسلم فإنّه كان أعبد النّاس، قال‏:‏ فقلت‏:‏ يا نبيّ اللّه وما صوم داود ‏؟‏ قال‏:‏ كان يصوم يوماً ويفطر يوماً‏.‏ قال‏:‏ واقرأ القرآن في كلّ شهرٍ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا نبيّ اللّه إنّي أطيق أفضل من ذلك، قال‏:‏ فاقرأه في كلّ عشرين قال‏:‏ فقلت‏:‏ يا نبيّ اللّه إنّي أطيق أفضل من ذلك، قال‏:‏ فاقرأه في كلّ عشرٍ قال‏:‏ قلت يا نبيّ اللّه إنّي أطيق أفضل من ذلك‏.‏ قال‏:‏ فاقرأه في كلّ سبعٍ ولا تزد على ذلك‏.‏ فإنّ لزوجك عليك حقّاً، ولزورك عليك حقّاً، ولجسدك عليك حقّاً‏.‏ قال‏:‏ فشدّدت، فشدّد اللّه عليّ، قال‏:‏ وقال لي النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنّك لا تدري لعلّك يطول بك عمر‏.‏ قال‏:‏ فصرت إلى الّذي قال لي النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فلمّا كبرت وددت أنّي كنت قبلت رخصة نبيّ اللّه صلى الله عليه وسلم «‏.‏

قال الشّاطبيّ‏:‏ إنّ دخول المشقّة وعدمه على المكلّف في الدّوام أو غيره ليس أمراً منضبطاً بل هو إضافيّ مختلف بحسب اختلاف النّاس في قوّة أجسامهم أو في قوّة عزائمهم، أو في قوّة يقينهم‏.‏

وينقسم الحرج من حيث القدرة على الانفكاك وعدمه إلى عامٍّ وخاصٍّ‏.‏

فالحرج العامّ هو الّذي لا قدرة للإنسان في الانفكاك عنه غالباً كالتّغيّر اللاحق للماء بما لا ينفكّ عنه غالباً، كالتّراب والطّحلب وشبه ذلك‏.‏

والحرج الخاصّ هو ما كان في قدرة الإنسان الانفكاك عنه غالباً، كتغيّر الماء بالخلّ والزّعفران ونحوه‏.‏

7- هذا تقسيم الشّاطبيّ، وهناك من يقسّم الحرج إلى عامٍّ وخاصٍّ من حيث شمول الحرج وعدمه‏.‏

فالعامّ ما كان عامّاً للنّاس كلّهم، والخاصّ ما كان ببعض الأقطار، أو بعض الأزمان، أو بعض النّاس وما أشبه ذلك‏.‏

قال ابن العربيّ‏:‏ إذا كان الحرج في نازلةٍ عامّةٍ في النّاس فإنّه يسقط، وإذا كان خاصّاً لم يعتبر عندنا، وفي بعض أصول الشّافعيّ اعتباره‏.‏

كما يمكن تقسيم الحرج إلى بدنيٍّ ونفسيٍّ‏.‏

فالبدنيّ‏:‏ ما كان أثره واقعاً على البدن كوضوء المريض الّذي يضرّه الماء، وصوم المريض، وكبير السّنّ، وترك المضطرّ أكل الميتة‏.‏

والنّفسيّ‏:‏ ما كان أثره واقعاً على النّفس، كالألم والضّيق بسبب معصيةٍ أو ذنبٍ صدر منه، وقد قال ابن عبّاسٍ في قوله تعالى ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ إنّما ذلك سعة الإسلام ما جعل اللّه من التّوبة والكفّارات‏.‏

شروط الحرج المرفوع

8 - ليس كلّ حرجٍ مرفوعاً‏.‏ بل هناك شروط لا بدّ من تحقّقها لاعتبار رفع الحرج وهي‏:‏

أ - أن يكون الحرج حقيقيّاً، وهو ما له سبب معيّن واقع، كالمرض والسّفر، أو ما تحقّق بوجوده مشقّة خارجة عن المعتاد‏.‏

ومن ثمّ فلا اعتبار بالحرج التّوهّميّ، وهو الّذي لم يوجد السّبب المرخّص لأجله، إذ لا يصحّ أن يبنى حكم على سببٍ لم يوجد بعد، كما أنّ الظّنون والتّقديرات غير المحقّقة راجعة إلى قسم التّوهّمات، وهي مختلفة‏.‏ وكذلك أهواء النّاس، فإنّها تقدّر أشياء لا حقيقة لها‏.‏

فالصّواب أنّه لا اعتبار بالمشقّة والحرج حينئذٍ، بناءً على أنّ التّوهّم غير صادقٍ في كثيرٍ من الأحوال‏.‏

ب - أن لا يعارض نصّاً‏.‏

فالمشقّة والحرج إنّما يعتبران في موضعٍ لا نصّ فيه، وأمّا في حال مخالفة النّصّ فلا يعتدّ بهما‏.‏

وهناك تفصيل وخلاف يأتي في تعارض رفع الحرج مع النّصّ‏.‏

ج - أن يكون عامّاً‏.‏

قال ابن العربيّ‏:‏ إذا كان الحرج في نازلةٍ عامّةٍ في النّاس فإنّه يسقط، وإذا كان خاصّاً لم يعتبر عندنا، وفي بعض أصول الشّافعيّ اعتباره، وذلك يعرض في مسائل الخلاف‏.‏

وقد فسّر الشّاطبيّ الحرج العامّ بأنّه هو الّذي لا قدرة للإنسان على الانفكاك عنه، كالتّغيّر اللاحق للماء بالتّراب والطّحلب ونحو ذلك ممّا لا ينفكّ عنه غالباً، والخاصّ هو ما يطّرد الانفكاك عنه من غير حرجٍ كتغيّر الماء بالخلّ والزّعفران ونحوه‏.‏

أسباب رفع الحرج

9 - أسباب رفع الحرج هي السّفر، والمرض، والإكراه، والنّسيان، والجهل، والعسر، وعموم البلوى، والنّقص، وتفصيلها في مصطلح ‏(‏تيسير‏)‏‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ ورخص السّفر ثمانية‏:‏

منها‏:‏ ما يختصّ بالطّويل قطعاً وهو القصر، والفطر، والمسح أكثر من يومٍ وليلةٍ‏.‏

ومنها‏:‏ ما لا يختصّ به قطعاً، وهو ترك الجمعة، وأكل الميتة‏.‏

ومنها‏:‏ ما فيه خلاف، والأصحّ اختصاصه به وهو الجمع‏.‏

ومنها‏:‏ ما فيه خلاف، والأصحّ عدم اختصاصه به، وهو التّنفّل على الدّابّة، وإسقاط الفرض بالتّيمّم‏.‏

واستدرك ابن الوكيل رخصةً تاسعةً، صرّح بها الغزاليّ وهي‏:‏ ما إذا كان له نسوة وأراد السّفر، فإنّه يقرع بينهنّ، ويأخذ من خرجت لها القرعة، ولا يلزمه القضاء لضرّاتها إذا رجع‏.‏

‏(‏ر‏:‏ تيسير‏)‏‏.‏

كيفيّة رفع الحرج

رفع الحرج ابتداءً

10 - لا يتعلّق التّكليف بما فيه الحرج ابتداءً فضلاً من اللّه سبحانه وتعالى، ولذلك لم يجب شيء من الأحكام على الصّبيّ العاقل، ولا على المعتوه البالغ، ولم يجب قضاء الصّلاة في الحيض والنّفاس‏.‏

كما أنّ هناك الكثير من الأحكام والتّشريعات الّتي جاءت ابتداءً لرفع الحرج والمشقّة عن النّاس، ولولاها لوقع النّاس فيهما‏.‏

ومنها مشروعيّة الخيار، إذ إنّ البيع يقع غالباً من غير تروٍّ ويحصل فيه النّدم فيشقّ على العاقد، فسهّل الشّارع ذلك عليه بجواز الفسخ في مجلسه‏.‏

ومنها الرّدّ بالعيب والتّحالف والإقالة والحوالة والرّهن والضّمان والإبراء والقرض والشّركة والصّلح والحجر والوكالة والإجارة والمزارعة والمساقاة والمضاربة والعاريّة والوديعة للحرج والمشقّة العظيمة في أنّ كلّ واحدٍ لا ينتفع إلاّ بما هو ملكه، ولا يستوفي إلاّ ممّن عليه حقّه، ولا يأخذه إلاّ بكماله، ولا يتعاطى أموره إلاّ بنفسه، فسهل الأمر بإباحة الانتفاع بملك الغير بطريق الإجارة والإعارة والقرض، وبالاستعانة بالغير وكالةً وإيداعاً وشركةً ومضاربةً ومساقاةً، وبالاستيفاء من غير المديون حوالةً، وبالتّوثيق على الدّين برهنٍ وكفيلٍ وضمانٍ وحجرٍ، وبإسقاط بعض الدّين صلحاً أو كلّه إبراءً‏.‏

ومن تلك الأحكام الّتي جاءت لرفع الحرج والمشقّة أيضاً جواز العقود غير اللازمة، لأنّ لزومها شاقّ فتكون سبباً لعدم تعاطيها، ومنها لزوم العقود اللازمة، وإلاّ لم يستقرّ بيع ولا غيره‏.‏

ومنها مشروعيّة الطّلاق لما في البقاء على الزّوجيّة من المشقّة والحرج عند التّنافر، وكذا مشروعيّة الخلع والافتداء والرّجعة في العدّة قبل الثّلاث، ولم يشرع دائماً لما فيه من المشقّة على الزّوجة‏.‏

رفع الحرج عند تحقّق وجوده

11 - قد يأتي الحرج والمشقّة في التّكاليف من أسبابٍ خارجيّةٍ، إذ إنّ نفس التّكليف ليس فيه مشقّة وحرج بل فيه كلفة أي مشقّة معتادة، وإنّما يأتي الحرج بسبب اقتران التّكليف بأمورٍ أخرى كالمرض والسّفر، وللشّارع أنواع متعدّدة من التّخفيفات تناسب تلك المشاقّ وتكون تلك التّخفيفات بالإسقاط أو التّنقيص أو الإبدال أو التّقديم أو التّأخير أو التّرخيص أو التّغيير‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏رخصة‏)‏ ومصطلح ‏(‏تيسير‏)‏‏.‏

تعارض رفع الحرج مع النّصّ

12 - النّصّ إمّا أن يكون قطعيّاً أو ظنّيّاً، والظّنّيّ إمّا أن يشهد له أصل قطعيّ أو لا‏.‏

ولا خلاف بين الفقهاء في عدم اعتبار الحرج المعارض للنّصّ القطعيّ، وكذا الظّنّيّ الرّاجع إلى أصلٍ قطعيٍّ، فيجب حينئذٍ الأخذ بالنّصّ وترك الحرج‏.‏

ثمّ إنّ الفقهاء قد اختلفوا في الظّنّيّ المعارض لأصلٍ قطعيٍّ كرفع الحرج، ولا يشهد له أصل قطعيّ‏.‏

فذهب جمهور الحنفيّة إلى الأخذ بالنّصّ وعدم اعتبار الحرج، قال ابن نجيمٍ في الأشباه‏:‏ المشقّة والحرج إنّما يعتبران في موضعٍ لا نصّ فيه، وأمّا مع النّصّ بخلافه فلا، ولذا قال أبو حنيفة، ومحمّد‏:‏ بحرمة رعي حشيش الحرم وقطعه إلاّ الإذخر لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إنّ هذا البلد حرّمه اللّه يوم خلق السّموات والأرض‏.‏‏.‏ لا يعضد شوكه، ولا ينفّر صيده، ولا تلتقط لقطته إلاّ من عرّفها، ولا يختلى خلاها «‏.‏

قال السّرخسيّ‏:‏ وإنّما تعتبر البلوى في موضعٍ لا نصّ فيه بخلافه، فأمّا مع وجود النّصّ فلا يعتدّ به‏.‏

وقال أبو يوسف‏:‏ لا بأس بالرّعي، لأنّ الّذين يدخلون الحرم للحجّ أو العمرة يكونون على الدّوابّ ولا يمكنهم منع الدّوابّ من رعي الحشيش ففي ذلك من الحرج ما لا يخفى فيرخّص فيه لدفع الحرج‏.‏

ونقل الشّاطبيّ عن ابن العربيّ قوله‏:‏ إذا جاء خبر الواحد معارضاً لقاعدةٍ من قواعد الشّرع هل يجوز العمل به أم لا ‏؟‏

فقال أبو حنيفة‏:‏ لا يجوز العمل به، وقال الشّافعيّ يجوز، وتردّد مالك في المسألة‏.‏

قال‏:‏ ومشهور قوله والّذي عليه المعوّل أنّ الحديث إن عضّدته قاعدة أخرى قال به، وإن كان وحده تركه‏.‏

قال الشّاطبيّ‏:‏ ولقد اعتمده مالك بن أنسٍ في مواضع كثيرةٍ لصحّته في الاعتبار، كإنكاره لحديث إكفاء القدور الّتي طبخت من الإبل والغنم قبل قسم الغنيمة، تعويلاً على أصل رفع الحرج الّذي يعبّر عنه بالمصالح المرسلة، فأجاز أكل الطّعام قبل القسم لمن احتاج إليه، وإلى هذا المعنى أيضاً يرجع قوله في حديث خيار المجلس‏.‏ حيث قال بعد ذكره‏:‏ ‏"‏ وليس لهذا عندنا حدّ معروف ولا أمر معمول به فيه ‏"‏ إشارةً إلى أنّ المجلس مجهول المدّة، ولو شرط أحد الخيار مدّةً مجهولةً لبطل إجماعاً، فكيف يثبت بالشّرع حكم لا يجوز شرطاً بالشّرع ‏؟‏ فقد رجع إلى أصلٍ إجماعيٍّ، وأيضاً فإنّ قاعدة الضّرر والجهالة قطعيّة، وهي تعارض هذا الحديث الظّنّيّ‏.‏

قواعد الأدلّة الأصوليّة والقواعد الفقهيّة المراعى فيها رفع الحرج

13 - لمّا كان رفع الحرج مقصداً من مقاصد الشّريعة، وأصلاً من أصولها، فقد ظهر في كثيرٍ من الأدلّة الأصوليّة والقواعد الفقهيّة‏.‏

فمن الأدلّة الأصوليّة المراعى فيها رفع الحرج المصالح المرسلة‏.‏

قال الشّاطبيّ‏:‏ إنّ حاصل المصالح المرسلة يرجع إلى حفظ أمرٍ ضروريٍّ، ورفع حرجٍ لازمٍ في الدّين‏.‏

وكذا الاستحسان، قال السّرخسيّ‏:‏ كان شيخنا الإمام يقول‏:‏ الاستحسان ترك القياس والأخذ بما هو أوفق للنّاس، وقيل‏:‏ الاستحسان طلب السّهولة في الأحكام فيما يبتلى فيه الخاصّ والعامّ، وقيل‏:‏ الأخذ بالسّعة وابتغاء الدّعة، ثمّ قال‏:‏ وحاصل هذه العبارات أنّه ترك العسر لليسر، وهو أصل في الدّين قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ‏}‏‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم لعليٍّ ومعاذٍ رضي الله عنهما حين وجّههما إلى اليمن‏:‏ » يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا «‏.‏

ومن القواعد الفقهيّة في ذلك قاعدة‏:‏ المشقّة تجلب التّيسير‏.‏

وقال العلماء‏:‏ يتخرّج على هذه القاعدة جميع رخص الشّرع وتخفيفاته‏.‏

وبمعنى هذه القاعدة قول الشّافعيّ‏:‏ إذا ضاق الأمر اتّسع‏.‏

قال ابن أبي هريرة‏:‏ وضعت الأشياء في الأصول على أنّها إذا ضاقت اتّسعت، وإذا اتّسعت ضاقت‏.‏

ويندرج تحت هذه القاعدة الرّخص، وهي مشروعة لدفع الحرج ونفيه عن الأمّة‏.‏

وكذا قاعدة الضّرر يزال، وما يتعلّق بهذه القاعدة من قواعد، كالضّرورات تبيح المحظورات والحاجة تنزل منزلة الضّرورة‏.‏

ومن الأمور الّتي تنفي الحرج النّفسيّ لدى المذنب التّوبة، والإسلام يجبّ ما قبله، والكفّارات بأنواعها المختلفة، قال ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ إنّما ذلك سعة الإسلام ما جعل اللّه من التّوبة والكفّارات‏.‏

رفق

التّعريف

1 - الرّفق في اللّغة‏:‏ لين الجانب، ولطافة الفعل، وإحكام العمل، والقصد في السّير‏.‏ والرّفق يرادفه الرّحمة، والشّفقة، واللّطف، والعطف، ويقابله الشّدّة، والعنف، والقسوة والفظاظة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ للرّفق عن معناه اللّغويّ‏.‏

حكمه التّكليفي

2 - حكم الرّفق على وجه العموم الاستحباب، فهو مستحبّ في كلّ شيءٍ، لقوله في حديثٍ أخرجه البخاريّ عن عائشة رضي الله عنها‏:‏ » إنّ اللّه يحبّ الرّفق في الأمر كلّه «‏.‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً‏:‏ » إنّ اللّه رفيق يحبّ الرّفق ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف «‏.‏

ولقوله‏:‏ » إنّ الرّفق لا يكون في شيءٍ إلاّ زانه، ولا ينزع من شيءٍ إلاّ شانه «‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » من أعطي حظّه من الرّفق فقد أعطي حظّه من الخير «‏.‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » من يحرم الرّفق يحرم الخير «‏.‏

وقد يخرج عن الاستحباب كالرّفق بالوالدين فإنّه واجب، والرّفق بالكفّار الحربيّين فإنّه ممنوع لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ‏}‏‏.‏

وقد ذكر الفقهاء الرّفق في عددٍ من المسائل‏.‏

رفق اللّه سبحانه وتعالى بالمكلّفين

3 - يتّضح رفق اللّه تعالى بعباده المكلّفين فيما شرعه لهم من الأحكام، فإنّه سبحانه وتعالى لم يكلّفهم إلاّ بما يدخل تحت قدرتهم وطاقتهم بلا مشقّةٍ، فقد أمرهم بالصّلاة وبصوم رمضان إلاّ أنّه شرع لهم الرّخص الّتي تخفّف عنهم المشقّة الحاصلة من تلك العبادات، فرخّص لهم الفطر والقصر والجمع في المرض والسّفر، وأباح لهم المحظور عند الضّرورة إن كانت تلك الضّرورة مساويةً للمحظور أو تزيد عليه، كإباحة الميتة للمضطرّ، ولم يوجب عليهم من العبادات إلاّ ما هو يسير عليهم، وأمرهم أن يأخذوا من النّوافل ما يطيقون، وألاّ يتحمّلوا منها ما فيه مشقّة زائدة عليهم رفقاً بهم، لأنّ تلك المشقّة تؤدّي إلى عدم المداومة على تلك الأعمال، وقد نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن التّنطّع والتّكلّف وقال‏:‏ » خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإنّ اللّه لن يملّ حتّى تملّوا «‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ » القصد القصد تبلغوا « فإنّ الشّارع الحكيم لم يقصد من التّكاليف الّتي فرضها على عباده العنت والمشقّة‏.‏

وتفصيل ذلك بأدلّته في مصطلح ‏(‏تيسير، ورخصة، ورفع الحرج‏)‏‏.‏

الرّفق بالوالدين

4 - أمر اللّه سبحانه وتعالى بالرّفق بالوالدين والإحسان إليهما وبرّهما في عددٍ من الآيات كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً‏}‏‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏برّ الوالدين‏)‏‏.‏

الرّفق بالجار

5 - أمر اللّه سبحانه وتعالى بالرّفق بالجار، والإحسان إليه، وحفظه والقيام بحقّه في كتابه وعلى لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم من ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَار الْجُنُبِ‏}‏‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏جوار‏)‏‏.‏

رفق الإمام بالمأمومين

6 - يسنّ للإمام أن يرفق بالمأمومين وذلك بالتّخفيف بالقراءة والأذكار، وفعل الأبعاض والهيئات، ويأتي بأدنى الكمال مراعاةً للمريض والضّعيف وصاحب الحاجة، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إذا صلّى أحدكم بالنّاس فليخفّف فإنّ فيهم الضّعيف والسّقيم والكبير «‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏إمامة الصّلاة‏)‏‏.‏

الرّفق بالغير وتجنّب إيذائه في مواطن الازدحام للعبادة

7 - من سنن الطّواف في الحجّ والعمرة استلام الحجر وتقبيله، فإن لم يكن ذلك، اكتفى بالإشارة إليه بيده أو بعودٍ، وعند غير المالكيّة يقبّل ما أشار به إليه، ويكبّر، ولا يؤذي غيره لأجل أن يصل إليه ويقبّله، فقد روي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه‏:‏ » يا عمر‏:‏ إنّك رجل قويّ لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضّعيف، إن وجدت خلوةً فاستلمه، وإلاّ فاستقبله فهلّل وكبّر «‏.‏ وهذا كلّه مستحبّ، ومحلّ اتّفاقٍ بين الفقهاء‏.‏

وتفصيل ذلك في بحث ‏(‏الحجر الأسود‏)‏ من الموسوعة ج 17/107

الرّفق في تغيير المنكر

8 - ينبغي لمن يتصدّى لتغيير المنكر أن يأخذ نفسه بما يحمد قولاً وفعلاً، وأن يتحلّى بمكارم الأخلاق حتّى يكون عمله مقبولاً، وقوله مسموعاً، قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ‏}‏‏.‏

ومن وسائل تغيير المنكر التّعريف باللّطف والرّفق، وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ » من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان «‏.‏ وخصوصاً مع من يخاف شرّه كالظّالم المتسلّط‏.‏ والجاهل إذا لم يكن معانداً‏.‏

ويدلّ على ذلك حديث بول الأعرابيّ في المسجد‏.‏ فعن أبي هريرة رضي الله عنه‏:‏ » أنّ أعرابيّاً بال في المسجد فتناوله النّاس، فقال لهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماءٍ أو ذنوباً من ماءٍ فإنّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين وفيه الرّفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيفٍ ولا إيذاءٍ إذا لم يأت بالمخالفة استخفافاً أو عناداً‏.‏

الرّفق بالخدم

9 - الرّفق بالخدم وحسن معاملتهم من الأمور الّتي أمر بها الرّسول صلى الله عليه وسلم والّتي جرى عليها عمل الصّحابة رضوان اللّه تعالى عليهم، فقد أمر الرّسول صلى الله عليه وسلم بأن نحسن معاملتهم، ونرفق بهم في المطعم والملبس والعمل، فنطعمهم من طعامنا ونلبسهم من لباسنا ولا نكلّفهم بالأعمال الّتي يشقّ عليهم القيام بها، فإن فعلنا ذلك فعلينا أن نعينهم، فقد أخرج البخاريّ في صحيحه عن المعرور قال‏:‏ لقيت أبا ذرٍّ بالرّبذة وعليه حلّة وعلى غلامه حلّة فسألته عن ذلك، فقال‏:‏ إنّي ساببت رجلاً فعيّرته بأمّه، فقال لي النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » يا أبا ذرٍّ أعيّرته بأمّه ‏؟‏ إنّك امرؤ فيك جاهليّة، إخوانكم خولكم جعلهم اللّه تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم فإن كلّفتموهم فأعينوهم «‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏خدمة‏)‏‏.‏

الرّفق بالحيوان

10 - ممّا ورد في الرّفق بالحيوانات النّهي عن صبرها وتعذيبها، وبيان فضل ساقيها والإنفاق عليها، سواء أكانت من الأنعام أم من غيرها‏.‏

فممّا ورد في النّهي عن صبر البهائم ما أخرجه مسلم في صحيحه‏:‏ » أنّ ابن عمر مرّ بفتيانٍ من قريشٍ قد نصبوا طيراً وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطّير كلّ خاطئةٍ من نبلهم فلمّا رأوا ابن عمر تفرّقوا، فقال ابن عمر‏:‏ من فعل هذا ‏؟‏ لعن اللّه من فعل هذا، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لعن من اتّخذ شيئاً فيه الرّوح غرضاً «‏.‏

وعن جابر بن عبد اللّه قال‏:‏ » نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يقتل شيء من الدّوابّ صبراً «‏.‏

وروي عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » لا تتّخذوا شيئاً فيه الرّوح غرضاً «‏.‏

ومعنى صبر البهائم كما قال العلماء أن تحبس وهي حيّة لتقتل بالرّمي ونحوه وهو معنى لا تتّخذوا شيئاً فيه الرّوح غرضاً، أي لا تتّخذوا الحيوان غرضاً ترمون إليه كالغرض ‏"‏ أي الهدف ‏"‏ من الجلود وغيرها، وهذا النّهي للتّحريم ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في رواية ابن عمر‏:‏ » لعن اللّه من فعل هذا «، ولأنّه تعذيب للحيوان، وتضييع لماليّته، وتفويت لذكاته إن كان مذكّىً، ولمنفعته إن لم يكن مذكّىً‏.‏

حتّى ما يذبح من الحيوان لأكله أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالرّفق به، بإحداد الشّفرة وإراحة الذّبيحة‏.‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إنّ اللّه كتب الإحسان على كلّ شيءٍ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة، وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته «‏.‏ وممّا ورد في فضل من سقى حيواناً رفقاً به ما أخرجه البخاريّ في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » بينما رجل يمشي بطريقٍ اشتدّ عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثمّ خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثّرى من العطش، فقال الرّجل‏:‏ لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الّذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفّه ثمّ أمسكه بفيه فسقى الكلب، فشكر اللّه له فغفر له، قالوا‏:‏ يا رسول اللّه وإنّ لنا في البهائم أجراً ‏؟‏ فقال‏:‏ في كلّ ذات كبدٍ رطبةٍ أجر «‏.‏

وأمّا النّفقة على الحيوان رفقاً ورحمةً به، فقد اتّفق الفقهاء على وجوب الإنفاق على المملوك منه ديانةً، واختلفوا في الإجبار عليها والقضاء بها على من عنده بهيمة لا ينفق عليها، مع اتّفاقهم جميعاً على وجوبها ولزومها عليه، فذكر الحنفيّة في ظاهر الرّواية أنّه لا يجبر عليها، لأنّ الجبر على الحقّ يكون عند الطّلب والخصومة من صاحب الحقّ، ولا خصم، فلا يجبر، ولكن تجب فيما بينه وبين اللّه تعالى، وروي عن أبي يوسف أنّه يجبر عليها، لأنّ في تركه جائعاً تعذيب الحيوان بلا فائدةٍ وتضييع المال، وقد نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك كلّه، ولأنّه سفه لخلوّه عن العاقبة الحميدة، والسّفه حرام عقلاً‏.‏

وذكر المالكيّة أنّ نفقة الدّابّة إن لم يكن مرعىً واجبة، ويقضي بها، لأنّ تركه منكر، وإزالته يجب القضاء به، خلافاً لقول ابن رشدٍ يؤمر من غير قضاءٍ، ودخل في الدّابّة هرّة عميت فتجب نفقتها على من انقطعت عنده حيث لم تقدر على الانصراف، فإن قدرت عليه لم تجب نفقتها، لأنّ له طردها‏.‏

ومذهب الشّافعيّة في هذه المسألة قريب ممّا ذكره المالكيّة وأبو يوسف من الحنفيّة، فقد ذكر النّوويّ في الرّوضة أنّ من ملك دابّةً لزمه علفها وسقيها، ويقوم مقام العلف والسّقي تخليتها لترعى وترد الماء، إن كانت ممّا يرعى ويكتفي به لخصب الأرض ونحوه ولم يكن مانع ثلجٍ وغيره، فإن أجدبت الأرض ولم يكفها الرّعي لزمه أن يضيف إليه من العلف ما يكفيها، ويطّرد هذا في كلّ حيوانٍ محترمٍ ‏"‏ يحرم التّعرّض له ‏"‏، وإذا امتنع المالك من ذلك أجبره السّلطان في المأكولة على بيعها أو صيانتها عن الهلاك بالعلف أو التّخلية للرّعي أو ذبحها‏.‏ وفي غير المأكولة على البيع أو الصّيانة فإن لم يفعل ناب الحاكم عنه في ذلك على ما يراه ويقتضيه الحال، وعن ابن القطّان أنّه لا يخلّيها لخوف الذّئب وغيره، فإن لم يكن له مال باع الحاكم الدّابّة أو جزءاً منها أو أكراها، فإن لم يرغب فيها لعمىً أو زمانةٍ ‏"‏ مرض مزمن ‏"‏ أنفق عليها بيت المال‏.‏

وقول الحنابلة في هذه المسألة كقول الشّافعيّة، فقد جاء في الكافي أنّ من ملك بهيمةً لزمه القيام بعلفها لما روى أنس أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » عذّبت امرأة في هرّةٍ سجنتها حتّى ماتت فدخلت فيها النّار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض «‏.‏

فإن امتنع من الإنفاق عليها أجبر على بيعها، فإن أبى أكريت وأنفق عليها، فإن أمكن وإلاّ بيعت، كما يفرّق بينه وبين زوجته إذا أعسر بنفقتها‏.‏

وتذكر كتب الحنابلة أيضاً أنّه يحرم على مالك الدّابّة أن يحمّلها ما لا تطيق حمله، لأنّ الشّارع منع تكليف الإنسان والحيوان ما لا يطيق، ولأنّ فيه تعذيباً للحيوان الّذي له حرمة في نفسه وإضراراً به‏.‏

ويحرم أن يحلب من لبنها ما يضرّ بولدها، لأنّ كفايته واجبة على مالكه، وسنّ للحالب أن يقصّ أظفاره لئلاّ يجرح الضّرع إلى غير ذلك ممّا ذكروه في هذا الباب‏.‏

رفقة

التّعريف

1 - الرّفقة في اللّغة‏:‏ الصّحبة، والرّفقة أيضاً اسم جمعٍ ومفرده رفيق، والجمع منه رفاق ورفقاء، وهم الجماعة الّتي ترافق الرّجل في السّفر‏.‏

وفي الاصطلاح الشّرعيّ لا يخرج عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الصّحب‏:‏

2 - الصّحب اسم جمعٍ لصاحبٍ، وهو من صحبه أصحبه صحبةً، والأصل في هذا الإطلاق لمن حصل له رويّة ومجالسة‏.‏

ب - الرّكب‏:‏

3 - الرّكب في الأصل‏:‏ جماعة ركبان الإبل في السّفر، ثمّ اتّسع فيه وأطلق على ركبان أيّ وسيلةٍ من وسائل السّفر‏.‏

ج - النّفر‏:‏

4 - النّفر والنّفير في اللّغة‏:‏ الجماعة من النّاس‏.‏ والجمع أنفار‏.‏ ويطلق على عشيرة الرّجل وقومه، قال الفرّاء‏:‏ نفر الرّجل رهطه‏.‏

د - الرّهط‏:‏

5 - الرّهط في اللّغة‏:‏ قوم الرّجل وعشيرته، ومنه قوله تعالى حكايةً عن قوم شعيبٍ‏:‏ ‏{‏وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ‏}‏ ويطلق على الجماعة من الرّجال من ثلاثةٍ إلى عشرةٍ كالنّفر‏.‏

الحكم التّكليفيّ

6 - يستحبّ لمن يسافر أن يسافر مع رفقةٍ، ويكره أن يسافر الرّجل منفرداً، ولا تزال الكراهة إلاّ بثلاثةٍ، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لو يعلم النّاس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليلٍ وحده «‏.‏

ولخبر‏:‏ » الرّاكب شيطان، والرّاكبان شيطانان والثّلاثة ركب « فينبغي أن يسير مع النّاس ولا ينفرد بطريقٍ، ولا يركب اثنان الطّريق، ويستحبّ أن تكون الرّفقة من أهل الصّلاح الّذين يحبّون الخير ويكرهون الشّرّ، يذكّرونه إن نسي، وإن ذكر أعانوه، ويستحبّ أن تكون الرّفقة من الأصدقاء والأقارب الموثوقين، لأنّهم أعون له في مهمّاته، وأرفق به في أموره، وينبغي أن يحرص على إرضاء رفقائه في جميع طريقه، وأن يحتمل ما يصدر منهم من هفواتٍ، ويصبر على ما يقع منهم في بعض الأوقات‏.‏

7- وينبغي للرّفقة أن يؤمّروا على أنفسهم أفضلهم، وأجودهم رأياً، وأن يطيعوه، لحديث أبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إذا خرج ثلاثة في سفرٍ فليؤمّروا أحدهم «‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ يستحبّ للرّفقة ألاّ يشتركوا في الزّاد والرّاحلة والنّفقة، لأنّ ترك المشاركة أسلم منه، لأنّه يمتنع بسببها من التّصرّف في وجوه الخير من الصّدقة، وغيرها، ولو أذن شريكه لم يوثق باستمراره، فإن شارك جاز، واستحبّ أن يقتصر على ما دون حقّه، ولأنّه ربّما أفضى إلى النّزاع‏.‏

أمّا اجتماعهم على طعامٍ يوماً بيومٍ، أو يأكلوا كلّ يومٍ عند أحدهم تناوباً فحسن‏.‏

فقد روي‏:‏ » أنّ أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قالوا‏:‏ يا رسول اللّه، إنّا نأكل ولا نشبع، فقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ فلعلّكم تفترقون، قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم اللّه يبارك لكم فيه «‏.‏

اشتراط وجود رفقةٍ في وجوب الحجّ

8 - يشترط في وجوب الحجّ وجود رفقةٍ يخرج معهم في الوقت الّذي جرت عادة بلده بالخروج فيه، إذا كان الطّريق مخوفاً، وأن يسيروا السّير المعتاد، فإن خرجوا قبل الوقت المعتاد، أو أخّروا الخروج بحيث لا يصلون إلى مكّة إلاّ بالسّير بأكثر من مرحلةٍ في كلّ يومٍ، أو كانوا يسيرون فوق العادة لم يجب عليه الحجّ، أمّا إن كان الطّريق آمناً بحيث لا يخاف الواحد فيه لزمه الحجّ، وإن لم يجد رفقةً ولا غيره للوحشة‏.‏

والتّفصيل في ‏(‏حجّ‏)‏‏.‏

هذا في حقّ الرّجل‏.‏

9- أمّا المرأة فلا يجب عليها الحجّ ولا يجوز لها السّفر إلاّ مع محرمٍ أو زوجٍ، لحديث‏:‏ » لا تسافر المرأة إلاّ مع ذي محرمٍ، ولا يدخل عليها إلاّ ومعها محرم «‏.‏

وحديث‏:‏» لا يحلّ لامرأةٍ تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومٍ وليلةٍ ليس معها حرمة «‏.‏

وهذا محلّ اتّفاقٍ بين الفقهاء‏.‏

وعند الحنفيّة والحنابلة لا تخرج إلاّ مع محرمٍ أو زوجٍ، وعند الشّافعيّة تخرج مع محرمٍ أو زوجٍ أو جماعةٍ من النّساء‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إذا لم تجد المرأة محرماً ولا زوجاً تخرج معه، أو امتنعا من الخروج معها جاز أن تخرج للسّفر الواجب مع رفقةٍ مأمونةٍ، وقالوا‏:‏ والرّفقة المأمونة رجال صالحون، أو نساء صالحات، وأولى إن اجتمعا‏.‏

وقال صاحب مواهب الجليل‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا أرادت المرأة الحجّ وليس لها وليّ فلتخرج مع من تثق به من الرّجال والنّساء، فإن كان وليّ فأبى أن يحجّ معها فلا أرى بأساً أن تخرج مع من ذكرت لك‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ وتخرج المرأة مع المرأة الواحدة‏.‏

أمّا سفر التّطوّع والمباح فلا يجوز لها الخروج فيه إلاّ مع محرمٍ أو زوجٍ‏.‏

وقيّد الباجيّ من المالكيّة المنع بالعدد القليل من الرّفقة‏.‏

أمّا القوافل العظيمة فهي كالبلاد فيجوز فيها سفرها، دون نساءٍ أو محارم‏.‏

والتّفصيل في ‏(‏حجّ‏)‏‏.‏

الرّفقة في السّفر بمنزلة الأهل في الحضر

10 - يجب على الرّفقة في سفرٍ دفن من مات منهم وتجهيزه، فإن لم يدفنوه أثموا، وللحاكم تعزيرهم‏.‏

وصرّح الحنفيّة أنّه يجوز للرّفقة في السّفر الشّراء للمريض من ماله إذا احتاج إلى ذلك، كما يجوز للورثة أن يشتروا من ماله، لأنّ الرّفقة في السّفر بمنزلة الأهل في الحضر‏.‏

بيع الرّفقة متاع من مات منهم

11 - قال الحنفيّة‏:‏ للرّفقة بيع متاع من مات منهم، ومركبه، وحمله إلى ورثته بعد مؤنة التّجهيز، ولا يجوز ذلك لأجنبيٍّ، لأنّ الرّفيق مأذون له في ذلك دلالةً، كما يجوز له الإحرام عنه إذا أغمي عليه، وكذا إنفاقه عليه، جاء في حاشية ابن عابدين‏:‏ وقعت هذه المسألة لمحمّد بن الحسن في سفرٍ له‏:‏ مات بعض أصحابه فباع كتبه، وأمتعته، فقيل له‏:‏ كيف تفعل ذلك ولست بقاضٍ ‏؟‏ فقال‏:‏ ‏{‏وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ‏}‏ ولأنّه لو حمل أمتعته إلى أهله لاحتاج إلى نفقةٍ ربّما تستغرق المتاع‏.‏

شهادة الرّفقة في قطع الطّريق

12 - يثبت قطع الطّريق بشهادة اثنين من الرّفقة بشرط‏:‏ ألاّ يتعرّضا لأنفسهما، وليس على القاضي أن يبحث عنهما هل هما من الرّفقة أم لا، فإن بحث فلهما ألاّ يجيبا، وإن تعرّضا لأنفسهما بأن قالا‏:‏ قطع علينا هؤلاء الطّريق فأخذوا مالنا ومال رفقتنا لم تقبل شهادتهما، لأنّهما صارا عدوّين‏.‏

‏(‏ر‏:‏ شهادة‏)‏‏.‏

سؤال المسافر رفقته عن الماء

13 - يجب على المسافر إن لم يجد ماءً للوضوء أن يسأل رفقته عن الماء، وأن يستوعبهم بالسّؤال، بأن ينادي فيهم‏:‏ من معه ماء ‏؟‏ فإن تيمّم قبل سؤال الرّفقة لم يصحّ تيمّمه‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏تيمّم‏)‏‏.‏

جواز السّفر في يوم الجمعة خشية فوات الرّفقة

14 - يجوز لمن وجبت عليه الجمعة أن يسافر في يوم الجمعة قبل صلاة الجمعة إذا كان يلحقه ضرر بتخلّفه عن الرّفقة‏.‏

‏(‏ر‏:‏ صلاة الجمعة‏)‏‏.‏